تعليقات .هموم : حذاء لبوش،، ياسر الزعاترة

من أجل ترويج الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة قام تحالف حزبي الأكراد مع المجلس الأعلى (الحكيم) وحزب الدعوة (المالكي) بتغيير مسماها إلى اتفاقية انسحاب القوات الأجنبية من العراق ، كما ركزوا في خطابهم الإعلامي على مقولة أن تلك القوات ستنسحب من العراق نهاية العام 2011 ، وبالطبع من أجل إخفاء المصائب التي انطوت عليها نصوص الاتفاقية وملاحقها.

من جهتها روجت جبهة التوافق التي تزعم تمثيل العرب السنة تصويتها لصالح الاتفاقية (كذلك حال جبهة الحوار بزعامة صالح المطلق) ، بحكاية وثيقة الإصلاحات السياسية ، فضلاً عن النص بعرض الاتفاقية على استفتاء شعبي منتصف تموز المقبل ، الأمر الذي بدا سخيفاً إلى حد كبير ، ليس فقط لأن الوثيقة لن تتحول إلى واقع في ظل المعادلة السياسية والأمنية التي أنتجها الاحتلال ، بل أيضاً لأن تمرير اتفاقية انتداب أجنبي على العراق لا يبرره الحديث عن إصلاحات سياسية داخلية أياً كانت.

الآن وبعد مضي أسبوعين لا أكثر على تمرير مجلس النواب للاتفاقية ، ها هم الأمريكان يوجهون صفعة لمن وقعوها ، إذ أعلن الجنرال رايموند اوديرنو ، قائد القوات الأمريكية في العراق أن قواته لن تنسحب من المدن العراقية خلال شهر تموز المقبل كما نصت الاتفاقية ، وأن النص المذكور يتعلق بالقوات المقاتلة.

وقال اوديرنو ان "الانسحاب من المدن بموجب الاتفاق لا ينطبق إلا على القوات المقاتلة ، وستبقى بعض الطواقم في المراكز الأمنية المشتركة في المدن لدعم القوات الأمنية العراقية" ، وهو استخفاف ما بعده استخفاف لأن القوات المذكورة ليست فرق إطفاء ولا فرقاً موسيقية.

ما فضح الموقف أكثر هو تصريحات وزير الدفاع روبرت غيتس الذي قال إن خطة الرئيس أوباما للانسحاب من العراق "لا تعني الانسحاب غير المسؤول منه" ، أما الأهم فهي تصريحات الناطق بلسان الحكومة العراقية علي الدباغ أثناء زيارة له لواشنطن ، حيث قال إن القوات الأمريكية لن تنسحب بالكامل بعد ثلاث سنوات كما تنص الاتفاقية ، مضيفاً أن قوات الأمن العراقية قد تحتاج عشر سنوات كي تصبح جاهزة لتولي زمام الأمور من القوات الأمريكية ، الأمر الذي اضطر مكتب نوري المالكي إلى التأكيد على أن ما قاله الدباغ هو "رأي شخصي".

في دمشق كان الرئيس الأسبق جيمي كارتر يزيد الموقف وضوحاً بتأكيده على أن أوباما لم يقل إنه سيسحب كامل القوات الأمريكية من العراق خلال 16 شهراً ، مشيراً إلى تأكيده على أنه سيستمع لجنرالات الجيش المعنيين بالملف.

لو كان أوباما في وارد تغيير الإستراتيجية القائمة في العراق لما أبقى على روبرت غيتس وزيراً للدفاع ، ولما عين هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية ، وهي التي أيدت غزو العراق. ثم إن قضية العراق ليست مسألة هامشية كي يتصرف حيالها على نحو منفرد ، بل هي مسألة تمس الأمن القومي الأمريكي ، وواشنطن بعسكرها وسياسييها حريصون كل الحرص على عدم الخروج من المعركة بصورة المهزوم ، وهم لن يتركوا البلد لحلفاء إيران بحال من الأحوال ، وسيميلون بصورة واضحة إلى تثبيت واقع الانتداب الأمريكي على العراق بكل وسيلة ممكنة.

على أن ما يعنينا هنا هو أن الذين يعتقدون أن الأوراق والمعاهدات تفرض نفسها خارج سياق ميزان القوى واهم ، والذين احتلوا العراق بناءً على اتهامات كانوا يعلمون أنها محض أكاذيب لن يكونوا صادقين في وعودهم بالانسحاب ، اللهم إلا إذا صارت كلفة احتلالهم أكبر من قدرتهم على الاحتمال.

من هنا يمكن القول إن الرد على الاتفاقية ، وهذه التأكيدات الجديدة بأنها مجرد تشريع للانتداب على العراق ، لن يكون بغير المقاومة ، ومعها فضح وإسقاط كل الذين جاءوا على ظهر دبابة الاحتلال وشرّعوا وجوده في سائر المحطات.

أما بوش الذي جاء إلى بغداد ليحتفل بتوقيع الاتفاقية الأمنية ، فلم يكفه الحصول على مرتبة أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة ، بل حصل على وصلة وداع هي الأكثر إثارة في تاريخ الرؤساء: تمثلت في شتائم وزوج من الأحذية وجهها إليه الصحفي العراقي منتظر الزيدي وتابعها بفرح استثنائي معظم سكان العالم. سلمت اليد التي رمت واللسان الذي نطق.
الدستور الاردنية



Date : 16-12-2008