حينما تحمل الوطن في ترحالك
صفحة 1 من اصل 1
حينما تحمل الوطن في ترحالك
حينما تحمل الوطن في ترحالك 05/12/2008 |
مَا أَجْمَلَ أَنْ يَكُونَ لِي وَطَنٌ.. ومَا أَجْمَلَ أَنْ أَحْلُمَ بِالوَطَنِ.. وَدَّعْتُهُ يَوْمًا وَأَنَا أَحْمِلُ صُورَتَهُ عَلَى أَكْتَافِ مُخَيِّلَتِي.. وَدَّعْتُهُ يَوْمًا وَكُلَّمَا تَاقَتْ نَفْسِي إِلَيْهِ فَتَّشْتُ عَنْهُ فِي قَفَصِ الذِّكْرَيَاتِ.. إِنَّ فِيهَا مَلاَمِحَ وَجْهِي وَبَصَمَاتِ السِّنِينِ. مَا أَجْمَلَ صُورَةَ وَطَنِي فِي الذَّاكِرَةِ، وَمَا أَحْوَجَنِي إِلَى أَنْ أُبْقِيَهَا حَبِيسَةَ ذَاكَ القَفَصِ؛ فَهِيَ مِزْوَدِي فِي غُرْبَتِي. وَطَنِي! هَلْ سَأَلْتَ نَفْسَكَ يَوْمًا عَنْ مَعْنَى 'وَطَنِي'؟ كُلَّمَا حَلَمْتُ بِهِ وَجَدْتُّنِي أُقَلِّبُ صَفَحَاتِ الذِّكْرَيَاتِ، وَأُحَلِّقُ بَعِيدًا بَعِيدًا بَعِيدًا فِي سَمَاءِ المَاضِي إِلَى أَنْ أَحُطَّ عَلَى أَغْصَانِ الطُّفُولَةِ.. فَهُنَا يَقْبَعُ وَطَنِي. إِنَّ وَطَنِي هُوَ مَا رَسَّخَتْهُ أَيَّامُ الطُّفُولَةِ فِي الذَّاكِرَةِ، بَلْ إِنَّ وَطَنِي كُلَّهُ مَا اخْتَزَلَتْهُ ذِكْرَيَاتِي فِي حَيِّ الطُّفُولَةِ.. فَوَطَنِي هُوَ حَيُّ الطُّفُولَةِ الَّذِي يَسْحَرُ الوِجْدَانَ، وَيَجْذِبُ عُقُولَ الشُّيُوخِ وَالشُّبَّانِ، وَيَرْسَخُ فِي قُلُوبِ الوِلْدَانِ. حَيُّ الطُّفُولَةِ هُوَ الحَيُّ الَّذِي أَبْصَرْتُ فِيهِ النُّورَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَصَرَخْتُ فِي فَضَائِهِ أَوَّلَ صَرْخَةٍ، ثُمَّ خَطَوْتُ عَلَى تُرَابِهِ أَوَّلَ خُطْوَةٍ. حَيُّ الطُّفُولَةِ هُوَ الحِضْنُ الَّذِي تَعَلَّمْتُ فِي مَدْرَسَتِهِ، وَلَعِبْتُ بَيْنَ أَزِقَّةِ شَوَارِعِهِ، وَتَسَلَّقْتُ بَيْنَ أَذْرُعِ أَشْجَارِهِ. حَيُّ الطُّفُولَةِ هُوَ الحَيُّ الَّذِي شَارَكْتُ فِيهِ أَقْرَانِي فِي صِنَاعَةِ ذِكْرَيَاتِ الطُّفُولَةِ. حَيُّ الطُّفُولَةِ هُوَ المُعَسْكَرُ الَّذِي تَدَرَّبْتُ فِيهِ عَلَى مَبَادِئِ الحَيَاةِ، وَتَهَجَّيْتُ فِيهِ أَبْجَدِيَاتِ مَعْرِفَةِ الآخَرِ. حَيُّ الطُّفُولَةِ هُوَ ذَاكَ العُشُّ الَّذِي غَادَرْتُهُ طَائِرًا فَوَجَدْتُنِي فِي عُشٍّ آخَرَ لَقَّبُوهُ 'الغُرْبَةَ'.. وَدَّعْتُهُ لَكِنَّنِي حَمَلْتُ صُورَتَهُ عَلَى أَكْتَافِ مُخَيِّلَتِي.. إِنَّهَا حَقِيقَةٌ مَزَجَتْ طَعْمَ الحَلاَوَةِ وَالمَرَارَةِ فِي آنٍ، الطَّعْمَ الَّذِي بَقِيَ مِنْ ذِكْرَيَاتِ حَيِّ الطُّفُولَةِ، بَلْ ذِكْرَيَاتِ كُلِّ وَطَنِي، وَطَنِي أَنَا! أَنَا وَحْدِي، وَطَنِي الَّذِي أَقَامَتْ عَرْشَهُ فِي كَيَانِي تِلْكَ الذِّكْرَيَاتُ، أَتَلَذَّذُ بِحَلاَوَتِهَا مَرَّةً وَأَتَعَذَّبُ بِمَرَارَتِهَا مَرَّاتٍ. وَطَنِي الَّذِي لاَ تَأْسِرُهُ الحُدُودُ، وَلاَ تَرْسُمُهُ الجُغْرَافِيَا، وَطَنٌ بِلاَ قُيُودٍ، مَلأْتُهُ بِالأَزْهَارِ وَالْوُرُودِ، وَلَكِنْ! هَلْ لِهَذَا الوَطَنِ وُجُودٌ؟ تَرَكْتُ وَطَنَ الذِّكْرَيَاتِ مَرَّةً وَقَرَّرْتُ أَنْ أَعُودَ.. قَرَّرْتُ أَنْ أَعُودَ إِلَى الحَقِيقَةِ.. إِلَى وَطَنِي.. إِلَى حَيِّ الطُّفُولَةِ.. عِنْدَمَا زُرْتُهُ بَعْدَ غُرْبَتِي لَمْ أَجِدْهُ، رُبَّمَا رَأَيْتُهُ لَكِنَّنِي لَمْ أَعْرِفْ مَلاَمِحَهُ، بَلَى! لَقَدْ لَمَحْتُهُ فِي الأَطْلاَلِ.. لَمَحْتُهُ فِي أَطْلاَلِ البِلاَدِ، لَمَحْتُهُ فِي أَطْلاَلِ العِبَادِ، لَكِنَّ الأَطْلاَلَ تَحَوَّلَتْ إِلَى جَمَادٍ، لَمَحْتُهُ فِي عِبَادٍ بَلْ أَشْبَاهِ عِبَادٍ. عَفْوًا يَا وَطَنِي! أَيْنَ أَنْتَ يَا وَطَنِي؟ بَلْ مَا هُوَ وَطَنِي؟ هَلْ هُوَ المَكَانُ؟ هَلْ هُوَ الزَّمَانُ؟ هَلْ هُوَ الإِنْسَانُ؟ إِنَّ وَطَنِي هُوَ التَّارِيخُ.. تَارِيخٌ تَوَقَّفَ يَوْمَ غَادَرْتُكَ يَا وَطَنِي.. تَارِيخٌ مَضَى وَانْقَضَى.. فَهَلْ سَتَعُودُ لِي يَا وَطَنِي؟ وَهَلْ سَتُعِيدُ لِي حَيَّ الطُّفُولَةِ؟ عَبْدُ الْفَتَّاحِ بُوعكَّاز - لندن |
مواضيع مماثلة
» صورة تحمل سر عجيب
» دخول 33 شاحنة تحمل مواد غذائية إلى غزة
» الامثال العربية تحمل الكثير من الدلالات الحضارية
» حماس تحمل فتح مسؤولية فشل حوار القاهرة (بسبب التعنت)
» الملك يعود إلى أرض الوطن
» دخول 33 شاحنة تحمل مواد غذائية إلى غزة
» الامثال العربية تحمل الكثير من الدلالات الحضارية
» حماس تحمل فتح مسؤولية فشل حوار القاهرة (بسبب التعنت)
» الملك يعود إلى أرض الوطن
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى