ساكب : استراحة خضراء.. وموسيقى الماء (1)
صفحة 1 من اصل 1
ساكب : استراحة خضراء.. وموسيقى الماء (1)
هي من أكثر الأمكنة ألفة، وقربا، ودفئا، حيث تتفاعل مع روح القادم إليها عند أول زيارة، ومع أول شخص يراه في دروبها، فتتفتح له دفاتر تاريخها، لتكون القراءة للمجتمع بكل أبجدية الود، ويكون الرسم للمكان، بكل تجليات اللون الأخضر الذي زنّرها بالشجر والغابات.. تلك هي ساكب.
تعددت الدروب
أول ما انطلقت من عمان، شمالا، كان في ذهني بوح معتق عن قرية ساكب، وهي في الذهن بلدة ودودة، تتربع على سفوح المرتفعات، وتحيطها الجبال، والغابات. في هذه الزيارة رافقني في مسيري من عمان، وبعد ذلك تجوالي في القرية هناك صديقي الفنان التشكيلي غسان مفاضلة، الذي له ذكريات، ودفق حنين، مع ساكب.
سرت، ورفيقي، إلى ساكب، شمالا، من عمان، ولم نسلك الدرب المطروق إليها، باتجاه عمق جرش، بل دخلناها عبر طريق جئناه من درب محاذ لسد الملك طلال، يفضي إلى برما، ومجموعة من القرى الأخرى، قبل أن يكون الوصول إلى ساكب. أما الطريق التي لم نسر فيها، وهي المسار المعتمد للكثير من الذين يأتون ساكب من عمان، فهو بالوصول إلى جرش، ثم المتابعة باتجاه الطريق المؤدي إلى عجلون، مسافة تقدر بحوالي 11 كيلو مترا، غربا، ليكون بعد ذلك الوصول إلى ساكب، ولكن على هذه الدرب يكون المرور في البداية بعد جرش على زقريط، ثم مثلث الكتة، وبعدها ريمون، إلى أن يكون بعدئذ الوصول إلى ساكب.
أما الطريق بالنسبة لمن يأتي ساكب من عجلون، فلا بد من المرور بعنجرة، ثم ساكب. والطريق إلى القرية من اربد، تمر بقرية سوف القريبة.
بلدة جبلية
قبل الدخول في تفاصيل الزيارة الميدانية لساكب، من المهم، الإشارة إلى التوصيف الجغرافي، للقرية، من خلال ما أورده الدكتور محمد عبده حتاملة في الجزء الثاني من (موسوعة الديار الأردنية)، حيث قال «ساكب: بلدة معروفة منذ مئات السنين، تقع على الطريق الرئيسية بين مدينتي جرش وعجلون، وتبعد عن كل منهما حوالي أحد عشر كيلو مترا، بينما تبعد عن العاصمة عمان نحو خمسين كيلومترا. وهي بلدة جبلية، تقوم أحياؤها على سفوح جبال شاهقة الارتفاع تتصل بجبال عجلون، وتطل من جهتها الجنوبية على سد الملك طلال، وأراضي محافظة البلقاء، كما تتصل بجبال دبين ومحميتها التي تكثر فيها الغزلان. وتتبع ساكب اداريا لواء قصبة جرش، أحد ألوية المحافظة، وتضمها بلدية المعراض التي تضم أيضا: (ريمون، ونحلة، والكتة). وتقع ساكب فلكيا على خط الطول 35 درجة و49 دقيقة شرقا، ودائرة العرض 32 درجة و17 دقيقة شمالا. وتمتد أراضي ساكب، وكذلك مبانيها على قمم جبال عالية يتصل بعضها بجبل (رأٍس الأقرع) الذي يرتفع عن سطح البحر حوالي (1098) مترا، وهذا الجبل الذي يتبع محافظة عجلون يقع تقريبا بين ساكب ودبين».
وفرة الينابيع
ها أنا الآن في ساكب، وصلتها، واستضافنا فيها الحاج محمد سليمان العودة الفاضل بني أحمد (العياصرة) «أبو بسام»، وهو من مواليد عام 1934م، وقد قضينا في مضافته بضع ساعات، وكان حديثه من الذاكرة، حول جوانب من سيرة ساكب، وبعض تفاصيل من تاريخ القرية القديم، حيث اسمعنا له أنا وأبناءه من حوله، وقد انضم إلينا بعد هذا الحديث في جولتنا ابنه الودود راتب محمد بني أحمد (العياصرة) الذي يعرف دروب القرية، وعيون مائها، وتفاصيل جغرافيتها، وفسيفساء مجتمعها .
ابتدأ الحاج محمد بني أحمد حديثه بقوله أن اسم ساكب «مأخوذ من كثرة انسكاب المياه فيها، ومن وفرة الينابيع في القرية، حيث أنه فيها عيون ماء هي عين ساكب، وعين المرج، وعين عيصرة، وعين احيمر، وعين خرشان، وعين أم جوزة، وعين جحدب».
وفي سياق سيرة الماء، وذكر ينابيعه، وكثرتها، من المفيد الإشارة هنا إلى ما كتبه الدكتور محمد عدنان البخيت في كتابه (دراسات في تاريخ بلاد الشام/الأردن)، حيث أورد أسماء العيون الموجودة في ساكب ضمن جدول المرافق العامة في منطقة شرق الأردن وذكر منها كل من «عين المهر، وعين الجوزة، وعين البلد (الصحن)، وعين الحمام، وعين الحزّار، وعين الحاكمة».
شجر طيب الريح
إن هذا التفسير الشعبي الذي أورده الحاج «أبو بسام» لتسمية ساكب، ليس بعيدا عن المعاني المدرجة في الوثائق، والمعاجم، ويتفق مع ما هو مدون في الكتب، والمراجع، حيث أنه قد أشار الباحث محمود سالم رحال في كتابه «المشترك السامي في أسماء ومعاني المدن والقرى الأردنية»، إلى أن «ساكب: بالعربية ساكب: منسكب. هطلان دائم. والجذر العربي سَكَبَ: سكب الماء، ونحوه: صبّه»، وبالمشترك السامي بمعنى «مكان الراحة والاستراحة من الجذر شخف(سكب): ارتاح. استلقى. رقد».
كما أنه قد ذكر الباحث ركاد نصير، معنى تسمية ساكب في كتابه «المعاني اللغوية لأسماء المدن والقرى وأحواضها في المملكة الأردنية الهاشمية» بقوله: «ساكب: سكب الماء والدمع ونحوهما: صبّه، والماء سكب وساكب: والسَّكب: شجر طيب الريح كأنه الخلوق ينبت مستقلا عن عرق واحد، وله ورق وزغب كالصعتر إلا أنه أشد خضرة، أو هو بقلة طيبة الريح زهرتها صفراء، أو هو عشب يرتفع قدر الذراع نوره شديد البياض».
«مقطع القرمية»
يحدد أهل ساكب قريتهم، بقولهم، أن ساكب يحدها من الشرق ريمون، ومن الغرب عنجرة، ومن الشمال سوف، ومن الجنوب برما. أما أحياءها، والمناطق المعروفة فيها، فقد قسمها الحاج محمد بني أحمد العياصرة (أبو بسام)، على النحو التالي: «حي المرج، وحي أم جوزة، وحي الشمالية، وحي الخربة، وحي القصر، وحي المحافيط، وحي الهواية، وحي القبلية، وحارة الزبيب، وحي الزيف، وحي عيصرة، ومقطع القرمية، وربوع المقبرة،..».
ولكن الباحث ركاد نصير يرصد بعض هذه الأحواض، وأسماء غيرها، ويوثقها في كتابه «المعاني اللغوية لأسماء المدن والقرى وأحواضها في المملكة الأردنية الهاشمية»، حيث تكون أحواض قرية ساكب، بحسب هذا الكتاب على النحو التالي: «حوض الحضير: ما اجتمع في الجرح من سّلى المادة، ورد اسم حضر موت في سفر العدد. حوض المرج: الأرض ذات النبت الكثير ترعى فيها الدواب حيث شاءت. حوض المسرب: جمعها مسارب، ومسارب العين: مجاري دمعها، ومسارب الحيّات: مواضع آثارها إذا انسابت. حوض مقطع القرمية: المقطع: موضع القطع، والقرمية: أصل الشجرة الداخل في الأرض ومنه قرمية الضرس عند العامة. حوض أم جوزة: الجوز: شجر وثمره، معرّب كوز بالفارسية، الواحدة جوزة، والجوزة: السقية الواحدة من الماء، أو الشربة منه، والجوزة: الشاة السوداء التي ضُرب وسطها بياض».
دفاتر الطابو
ويمكن تتبع سيرة قرية ساكب في الوثائق العثمانية، خاصة في دفاتر الطابو، حيث أشار إليها الدكتور المهدي عيد الرواضية في الجزء الأول من كتابه «مدونة النصوص الجغرافية لمدن الأردن وقراه»، بقوله أن ساكب «ذكرت في دفتر طابو رقم (970): وقرية ساكب تابعة لعجلون، تيمار أحمد ابن عبد الله، فيها ثلاث عشرة خانة، وإمام واحد، وحاصل قسم من الربع؛ من الحنطة: خمس غرارات قيمتها ستمائة وخمسون آقجة. ومن الشعير: غرارتان قيمتها مائة وأربعون آقجة. ومن الحطب قنطار واحد قيمته مائتا آقجة. وخراج الزيتون والجوز وأشجار سائرة أربعمائة وأربع وسبعون آقجة. وحصة وقف محب الدين بن شرف الدين ابن فرفور ستة قراريط قيمتها ثلاثمائة وأربع وستون آقجة. وحصة التيمار ثمانية عشر قيراطا قيمتها ألف ومائة آقجة. والعشر من مال الوقف ست وثلاثون آقجة. ورسم المعزة: مائة وأربع عشرة آقجة. ورسم النحل: خمسون آقجة. فيكون حصة التيمار مع الرسوم: ألاف وثلاثمائة آقجة. وفي دفتر الطابو رقم (185) المؤرخ سنة 1005ه/1596م: قرية ساكب تابع بني علوان تيمار أحمد بن محمد، فيها اثنتا عشرة خانة، وحاصل قسم من الربع؛ من الحنطة: سبع غرارات قيمتها تسعمائة وثمانون آقجة. من الشعير: عشر غرارات قيمتها ثمانمائة آقجة. وخراج الأشجار: آلف آقجة. من المال الصيفي ألف ومائتا آقجة وحصّة وقف محي الدين بن شرف الدين خروب (فرفور) ستة قراريط قيمتها سبعمائة آقجة. وحصة التيمار ثمانية عشر قيراطا قيمتها ألفان ومائتا آقجة. والعُشر عن مال الوقف سبعون آقجة. ورسم المعز والنحل: مائة وثلاثون آقجة. وبادهوا: مائة آقجة، فتكون حصة التيمار مع العُشر والرسوم: ألفان وخمسمائة آقجة».
سيرة قرية ساكب
تقع قرية ساكب غرب جرش، في منتصف المسافة بين عجلون وجرش، وعلى مسافة حوالي 11كم من كلتا المدينتين. وتتبع القرية إلى لواء القصبة من محافظة جرش، وهي من ضمن بلدية المعراض.
الديموغرافيا:
يبلغ عدد سكان قرية ساكب، بحسب آخر تعداد عام للسكان والمساكن عام 2004م، حوالي ب(10272نسمة) (5429 ذكور و4843 إناث)، يشكلون 1595 أسرة، تقيم في 2064 مسكنا. ويفيد أهل ساكب بأن عدد سكان القرية في الوقت الحاضر قد بلغ حوالي 18 ألف نسمة.
التربية والتعليم:
يوجد في قرية ساكب عدد من المدارس هي: مدرس ساكب الثانوية الشاملة للبنين، ومدرسة ساكب الثانوية الشاملة للبنات، ومدرسة آمنة بنت وهب الأساسية للبنات، ومدرسة ساكب الأساسية للذكور، ومدرسة المرج الابتدائية المختلطة، ومدرسة أم جوزة الابتدائية المختلطة، ومدرسة الهوّاية الأساسية المختلطة، ومدرسة بدر الأساسية المختلطة، ومدرسة الجمعية الأساسية المختلطة، ومدرسة عيصرة الأساسية المختلطة.
المجتمع المدني:
يوجد في ساكب جمعية الصفصافة الخيرية، وجمعية ساكب الخيرية التعاونية، ونادي ساكب الرياضي، ومحمية ساكب الطبيعية.
الصحة:
يوجد في القرية مركز صحي أولي
يوجد في القرية 19 مسجدا.
...........
الرأي - كتابة وتصوير: مفلح العدوان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى